"وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا " [الكهف: 21]

وأخيراً تم العثور على أصحاب الكهف!!!

نعم فالعثور عليهم لم يحدث في لحظات ولا بمجرد استيقاظهم ولا ذهابهم إلى المدينة ليأتوا برزق لهم!! فمن قال أن الموفد منهم ذهب وكأن شيئاً لم يكن واختار من الطعام أزكاه ثم أظهر ورقه للبائع وهكذا ببساطة انتهى الأمر وانكشف أمرهم!! 

بل الفتية أصلا كانوا في شك منذ لحظه استيقاظهم.. شك بشيء غير طبيعي لا يدركون كنهه وتفصيله، وبذهاب أحدهم إلى المدينة بدأت ملامح الشك تتأكد وتتعاظم لديه... وربما لم يكمل الشراء حتى يصل لمرحلة أن يظهر ورقه للبائع، فعاد إلى الكهف يشارك البقية المزيد والمزيد من شكوكه ودواعي العجب مما رأى من تغير واختلافات عما عرف ويعرف!!

 

إذن؟!...

إذن.. ببساطة الفتية لم يكتشف أمرهم بمجرد استيقاظهم بل عاش الفتية حالة من الصدمة وعدم التصديق وبدؤوا رحلة البحث عن حقيقة ما حصل لهم ومعهم... هم ناموا نعم يدركون ذلك... وناموا طويلاً وطويلاً جداً.. أيضاً بدوؤا يدركون ذلك... ولكن كم ناموا؟  ولماذا كان هذا؟ 

 

"وَلَبِثُواْ فِي كَهۡفِهِمۡ ثَلَٰثَ مِاْئَةٖ سِنِينَ وَٱزۡدَادُواْ تِسۡعٗا" [الكهف: 25] 

هذا ما قضوا تسع سنوات في محاولة معرفته متخذين من الكهف ملجأ ومأوى لهم، متخفين عن الناس من حولهم متكتمين على ما جرى... ومن الملفت في الآية الكريمة قوله تعالى "أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ" فالعثور عليهم لم يكن بالأمر السهل بما توحي الكلمة من مشقة وجهد... كما توحي أن الأمر كان على الرغم منهم ومن حرصهم على التخفي حتى لا  يُكتشَف أمرهم!

 

أظن أن إعطاء الزمن حقه جزء مهم جدا من فهم قصة أصحاب الكهف والاقتراب من معنى الإشارات فيها والإيماءات، فإذا ما فسرت كانت كنوز قرآنية عظمية، فعمر قصة أصحاب الكهف ليست دقائق كتلك التي نقرؤها بها، وليست ساعات ولا أياماً، بل هي سنين طويلة حتى بعد استيقاظ الفتية... بل إن باستيقاظهم بدأت قصة جديدة.... قصة أصحاب الرقيم... والإحصاء!!

ولهذا كان ضروريا مسح الذهن والتصور مما رسخ فيه من قبل، وإتاجة الفرصة للكلمات لتلقي في النفس والخيال والتصور معانيها وظلالها دون تأثير مخزون سابق!!!

 

وقد تمت الإشارة إلى أصحاب الرقيم في دراسة سابقة تبحث سنوات لبث فتية الكهف في كهفهم ونورد ما جاء هناك:

هل يكون أصحاب الكهف هم أصحاب الرقيم؟ 

بعد استيقاظهم وعودتهم إلى الحياة لربما حاول الفتية فك رموز ما حصل معهم ،وذلك على الأقل بمعرفة كم المدة التي ناموها بالأولوية الأولى، وبهذا قد يكون لجوئهم إلى الرقم والتدوين لما عرفوا من الأحداث في زمانهم الأول وما علموا من الأحداث في الأزمنة اللاحقة وزمانهم الحالي بالاستقصاء والتتبع... علهم يتمكنوا من إحصاء سنوات لبثهم وفهم ما كان من أمرهم.

 

ولربما كان هذا الرقيم بما فيه من معلومات وسجل للأحداث هو أحد الأسباب التي دعت الناس أن يشيروا بأن باتخاذ بنياناً عليهم، بينما ذهب من غلبوا على أمرهم أن يتخذوا عليهم مسجداً.

 

 

والله تعالى أعلم.